
في وقت يتسم بحساسية إقليمية قصوى، هزّ انفجار ضخم ميناء رجائي في جمبرون، مخلّفًا مئات الإصابات وخسائر مادية واسعة النطاق. السلطات الإيرانية، التي بدت مربكة في ساعاتها الأولى، قدمت تفسيرات متضاربة بشأن أسباب الحادث، مما أثار تساؤلات مشروعة حول خلفياته الحقيقية، وفتح الباب أمام قراءات سياسية متعددة في الداخل والخارج .
ميناء حيوي في قلب التوترات الإقليمية
ميناء رجائي، الذي يقع على مقربة من مضيق هرمز، ليس مجرد مرفق تجاري؛ بل يمثل رئة اقتصادية واستراتيجية لإيران، التي تعتمد عليه في أكثر من 50% من عملياتها التصديرية والواردات البحرية. من هنا، فإن استهدافه، سواء كان مقصودًا أو نتيجة إهمال، يكتسب أهمية مضاعفة في ظل المواجهات الخفية التي تخوضها إيران مع خصومها الإقليميين والدوليين .
توقيت لافت: بين مفاوضات مسقط وساحات المواجهة المفتوحة
جاء الانفجار في لحظة سياسية حرجة: بالتزامن مع انطلاق جولة جديدة من المفاوضات غير المباشرة بين طهران وواشنطن في مسقط، بوساطة عمانية ودولية مكثفة. هذه المفاوضات تهدف إلى إعادة تفعيل “الاتفاق النووي المؤقت”، الذي يعيد فرض بعض القيود على البرنامج النووي الإيراني مقابل تخفيف محدود للعقوبات .
بعض المراقبين اعتبروا أن الحادث قد يكون محاولة لتعطيل المفاوضات أو للضغط على إيران من خلال توجيه رسالة مفادها أن منشآتها الحيوية ليست في مأمن، خصوصًا بعد سلسلة من الهجمات السيبرانية والتخريبية التي طالت مواقع نووية وصناعية خلال السنوات الماضية، والتي اتهمت إيران فيها أطرافًا مثل إسرائيل والولايات المتحدة .
روايات رسمية مرتبكة ومشهد داخلي مأزوم
في الساعات الأولى بعد الانفجار، صدرت تصريحات متضاربة من جهات حكومية متعددة: الحرس الثوري، وزارة الداخلية، هيئة الجمارك، وشركة النفط الوطنية. هذا التخبط الإعلامي يعكس جانبًا من الإرباك المؤسساتي الذي تعانيه إيران، خاصة في الأزمات الكبرى، ويعزز نظرية أن الحادث كشف هشاشة البنى التحتية، سواء على مستوى السلامة الصناعية أو السيطرة الأمنية .
سياسيًا، يأتي الحادث وسط تصاعد الضغوط الداخلية على حكومة الرئيس الإيراني الحالية، مع تزايد الانتقادات حول سوء الإدارة، وارتفاع معدلات الفساد، مما قد يدفع السلطة إلى محاولة توجيه أصابع الاتهام إلى “أعداء خارجيين” لصرف الأنظار عن المسؤوليات الداخلية .
البعد الإقليمي: هل تلعب إسرائيل دورًا؟
لا يمكن تجاهل السياق الإقليمي الأوسع، إذ يأتي الانفجار بعد أسابيع قليلة من تصعيد غير مسبوق بين إسرائيل وإيران شمل عمليات قصف متبادل بالطائرات المسيّرة واغتيالات استهدفت شخصيات من الدرجة الأولى وضباطًا إيرانيين بارزين في الخارج. في ظل هذه المعطيات، لا يستبعد بعض المحللين احتمال أن تكون إسرائيل قد صعّدت رسائلها غير المباشرة لطهران، سواء عبر عمل تخريبي مباشر أو عبر تحفيز عناصر محلية موالية لها للقيام بأعمال “تخريبية بالوكالة .”
تداعيات متوقعة على أكثر من صعيد
اقتصاديًا: سيؤثر تعطيل ميناء رجائي بشكل مباشر على الاقتصاد الإيراني المتعثر أصلًا، مع احتمالية تأخير صادرات حيوية مثل المعادن والبتروكيماويات .
سياسيًا: قد تسعى الحكومة الإيرانية لاستثمار الحادث لتحفيز النزعة الوطنية، وإلقاء اللوم على “مؤامرات خارجية”، مما يوفر لها هامشًا للتهرب من الاستحقاقات الداخلية .
أمنيًا: من المتوقع تشديد الإجراءات الأمنية في المنشآت الاستراتيجية، وربما الإعلان عن “إجراءات انتقامية” إذا ما ثبت تورط خارجي في الحادث .
دوليًا: الحادث قد يعقد مفاوضات مسقط، إذ قد تطالب إيران بضمانات أمنية إضافية مقابل تقديم تنازلات، مما يزيد من تعقيد المسار التفاوضي .
سواء كان انفجار جمبرون نتيجة إهمال داخلي أو عمل تخريبي خارجي، فإنه يسلط الضوء على نقطة ضعف استراتيجية في بنية الدولة الإيرانية، ويؤكد أن الصراع في المنطقة لم يعد محصورًا في ساحات القتال التقليدية، بل بات يمتد إلى استهداف نقاط القوة الاقتصادية الحيوية، في لعبة “عضّ الأصابع” المستمرة بين إيران وخصومها .
وفي كل الأحوال، سيكون للحادث تداعيات طويلة الأمد على الأمن الداخلي الإيراني وعلى ديناميكيات التفاوض النووي الجارية حاليًا.