عدنان بيانات: جريمة بلا شاهد

لم تكن علاقتي بعدنان بيانات (السكيني) عميقة، لكنها كانت كافية لأدرك أنني أمام إنسان مختلف. رأيت فيه مثالًا للثبات، والصدق، والشجاعة النادرة في وجه الظلم. لم يكن من أولئك الذين يرفعون أصواتهم للظهور، بل كان من الذين يجعلون من الصمت موقفًا، ومن الكلمة سلاحًا.
عدنان كان ناشطًا مدنيًا معروفًا في الأحواز، مدافعًا شجاعًا عن الحقوق المسلوبة، لا يعرف التراجع ولا يساوم على مبادئه. لم يكن غريبًا عن المعتقلات، فقد اعتقلته الاستخبارات الإيرانية عدة مرات، وسُجن مرارًا بسبب نشاطه السلمي ووقوفه إلى جانب شعبه في وجه الاضطهاد.
لكن في نوفمبر من عام 2020، حدث ما هو أقسى من السجن… اختفى عدنان.
اختُطف في طهران على يد عناصر بزي مدني يُعتقد أنهم من استخبارات النظام الإيراني، ومنذ تلك اللحظة لم يُعرف عنه شيء. لا رسالة، لا اتصال، لا حتى تلميح. غاب، كأن الأرض ابتلعته.
والأشد مرارة… أن لا أحد من عائلته أو أقاربه يعلم شيئًا. لا أب، لا أم، لا أخ، لا قريب يعرف إن كان عدنان لا يزال حيًا يُعذّب في الزنازين، أم أنه استُشهد تحت التعذيب ودُفن في مكان مجهول، دون أن يُمنح حتى حق القبر.
هذا الغياب القسري ليس مجرد إخفاء جسد، بل هو اختطاف للحقيقة، ومحاولة قتل للذاكرة.
أربعة أعوام مرّت، وكأن الزمن توقّف في لحظة اختفائه. كل يوم يمر دون خبر، هو خنجر جديد في قلب أمه، وفي قلوب من يعرفون قيمته. كيف تُنسى جريمة كهذه؟ وكيف يصمت العالم عن إنسان خُطف فقط لأنه قال “لا” للظلم؟
عدنان بيانات لم يكن مجرمًا، لم يحمل سلاحًا، لم يؤذِ أحدًا. كل “ذنبه” أنه طالب بالحرية، بالكرامة، بالعدالة. فهل يُعاقب الإنسان على شجاعته؟ وهل تُكافأ الأصوات النزيهة بالاختطاف والتعذيب؟
لهذا نكتب اليوم، لا لنروي قصة فقط، بل لنُدين جريمة بلا شاهد، ولنُطالب بالكشف عن مصير عدنان، ومصير كل من اختفوا قسرًا خلف أسوار المجهول. نطالب بإطلاق سراحه إن كان حيًا، أو بالكشف عن مصيره إن كان شهيدًا. فلكل إنسان الحق أن يُعرف مكانه، ولكل أم الحق أن تعرف ما حلّ بابنها.
الحرية لعدنان بيانات، ولكل الأحوازيين المناضلين في صمت.
العدالة لا تسقط بالتقادم، والصوت الحر لا يُمحى… ولو غاب جسده.
عبد السلام ابو طه العثماني