الإذلال في الأحواز: من الاستلاب إلى تفكك الهوية

يعاني المجتمع الأحوازي، وعلى رأسه الطبقة السياسية، من الإذلال ومخلفاته. فتارة يتجلى هذا الإذلال أمام أعيننا، وتارة يتخفى بعيدا عنها، إلا أن الواقع المؤكد هو أن الإذلال مستمر، وتأثيره متواصل على الشعب العربي الأحوازي. هذا الإذلال الممنهج والمستمر أهان كرامة الشعب الأحوازي، وألحق به أضرارا يصعب معالجتها على المدى القريب والمتوسط .
وقد يتجلى هذا الإذلال في صور عدة، إلا أنه يبقى في جوهره واحدًا. ويمكن القول إن للإذلال مظاهر متعددة يعاني منها الأحوازيون، منها الجسدي الذي يتعرض له الأسرى والمعتقلون في سجون العدو الإيراني، والنفسي، وهو أشدها وأخطرها، إذ يطال أعماق الذات الإنسانية، ويستحقرها، ويشكك في قيمتها ومكانتها .
إن الإذلال الممنهج والمستمر الذي يتعرض له الشعب العربي الأحوازي منذ عقود على يد الاحتلال الإيراني، قد أخضع هذا الشعب، ونال من كرامته، وحط من قدره، وكسر إرادته. وهذا ما يمكن لمسه بوضوح في الشارع الأحوازي، حين ترفض الغالبية الساحقة من الشعب مواجهة الاحتلال الفارسي، أو رفض سياساته العنصرية وما ترتب عليها في الأحواز.
بل إن تأثيرات الإذلال في الأحواز تجاوزت ذلك بكثير، إذ أصبح الإنسان الأحوازي – في بعض الحالات – يتماهى مع المذل، بل ويدافع عنه ويسير خلفه. ولهذا نرى العميل يحتفظ بمكانة مرموقة في المجتمع الأحوازي، ويتقدمه بهالة لا مثيل لها، بينما ينبذ الأسير والشهيد وعائلاتهم، ويعرضون للتشويه والإفساد .
ومن يتابع الشأن الأحوازي بموضوعية وحياد، ويطلع على تفاصيله اليومية، سيدرك أن نتائج التعرض للإذلال دفعت كثيرا من الأحوازيين إلى تبرير سياسات العدو الإيراني وتقبلها باعتبارها حقيقة مطلقة أو قدرا لا مفر منه. بل إن هؤلاء المذلولين والمستحقرين تبنوا الدفاع عن إيران وقيمها الثقافية والسياسية، وأصبحت مواقفهم – من حين إلى آخر – تتطابق تماما مع مواقف الاحتلال الإيراني، وهو ما يمكن ملاحظته عندما يستهدفون المقاومة الوطنية الأحوازية، أو يهاجمون رموزها وتاريخها ويشاركون في تنفيذ أجندة إيران في المنطقة .
وقد أظهرت تقارير مصورة بثتها وسائل الإعلام الرسمية الإيرانية مشاهد لأفراد من الأحواز وهم يشاركون في مسيرات إيرانية، ويعبرون عن ولائهم للقيادة الإيرانية، بالرغم من أنهم يتسولون لقمة العيش ويشربون مياه المجاري. كما أظهرت منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي وتصريحات علنية كيف شارك بعض النشطاء الأحوازيين في استهداف قيادة “حركة النضال العربي لتحرير الأحواز”، وتشويه صورتها، وتقديم تقارير ضدها، تماشيا مع ما تقوم به إيران. هذه الوقائع تعكس مستوى خطيرا من إعادة إنتاج خطاب النظام الايراني، وتؤكد مدى تغلغل سياسة الإذلال في تشكيل مواقف الأحوازيين تجاه أنفسهم .
“وهنا تبرز ملامح ما يسميه بعض الباحثين بـ”الاستلاب الثقافي”، حين يعيد المستعمَر إنتاج خطاب المستعمِر ويدافع عنه، ويبدو “التطبيع مع القهر” سلوكا يوميا عاديا، لا يحتاج إلى تبرير. كما يكشف ذلك عن تآكل “الهوية الجمعية” واستبدالها بهوية هجينة مفروضة تعيد تأهيل المجتمع ليقبل وضعه القهري وكأنه الطبيعي .”
بالرغم من هذا الواقع المأساوي والمأزوم، لا تزال هنالك فرصة واقعية لإعادة بناء الذات الأحوازية الجماعية عبر مراجعة شاملة للمنظومة الفكرية والسلوكية التي ترسخت بفعل الاحتلال الإيراني. إن معالجة وتجاوز آثار الإذلال لا تبدأ بالشعارات والسفسطات، بل بالوعي العميق بجذور المشكلة. يجب أن نطرح أسئلة على أنفسنا: من أين أتى هذا الخضوع؟ وكيف تكرس في المجتمع وتوغل فيه؟ ومن المستفيد من وجوده واستمراره؟
مما يفتح أمامنا بابا آخر على حاجة أحوازية ملحة، وهي إطار وطني أحوازي جامع يتبنى سردية تدعم فكر المقاومة، وترفض الاستسلام، وتعيد الاعتبار للكرامة كقيمة مركزية تلتف حولها القيم الأخرى. وهذا يتطلب منا أن نتبنى تنشئة اجتماعية وإعلاما أحوازيا يناسب حاجتنا، ويعيد الاعتبار إلى شهدائنا وأسرانا، ويتفاعل مع قضايانا العربية كامتداد لهويتنا وانتمائنا.
إبراهيم مهدي الفاخر
أحسنتم علي نشرهذا المقال المفيد