مقالات

محطات طير السعد (6)

المحطة السادسة
هماي سعادت
بعد أكثر من عقدٍ من الزمن، وبعد أن دفع الشعب السوري أغلى الأثمان، ها هو التاريخ يُعاد كتابته بأحرفٍ من دم ونار. لم تكن الثورة مجرد احتجاجٍ عابر، بل كانت زلزالًا هزَّ أركان الطغيان، وصرخةً مدويةً مزقت ستار الصمت، وكشفت عورة العالم الذي خذلها.

لم تكن ثورة خبزٍ وجوع، بل كانت ثورة كرامةٍ وشرف. من درعا إلى حلب، من دمشق إلى إدلب، خرج السوريون، رجالًا ونساءً، شيوخًا وأطفالًا، يهتفون: سوريا بدها حرية…. كان الصوت أقوى من الطلقات، وكان العزم أصلب من قضبان السجون. لم يُرهبهم القمع، ولم تثنهم المجازر، رغم خذلان العالم لهم، الذي وقف يشاهد تدميرهم بالبراميل المتفجرة.

كانت الثورة نارًا تحت الرماد، بركانًا يترقب لحظة الانفجار. كانت كالأفعى تحت الرمال، كالعاصفة التي تسبق الطوفان. كان الجميع يظنها خمدت، لكنها لم تنطفئ، بل كانت تستعد للحظةٍ لا رجعة فيها. وعندما حانت ساعة الصفر، عندما دقّت عقارب القدر، انطلقت الصيحة التي انتظرها الأحرار طويلًا. اشتعلت الجبهات من الشمال إلى الجنوب، وسارت القوافل نحو دمشق كما لو أن الأرض لفظت تحت أقدامها كل قيدٍ وسجن.

لم يكن أمام الطاغية سوى الصمت، لم يفهم كيف تحوّل الصبر إلى زلزال، وكيف انقلب انتظار اثني عشر عامًا إلى عاصفةٍ اجتاحت أسوار قصره. في أقل من أسبوع، سقطت حلب، وتهاوت قلاع الطغيان في حماة وحمص ودرعا والسويداء. العالم بأسره ذُهل من سرعة الانهيار، حتى الثوار أنفسهم لم يصدقوا أن الحلم الذي امتد لسنوات بات حقيقةً تُكتب الآن بالدم والنار.

لم تصمد دمشق طويلًا، كانت الجدران تتهدم، والقصور ترتجف تحت أقدام الأحرار. وحين علا الهتاف الأخير: “يالله… مالنا غيرك يالله”، لم يكن أمام الطاغية إلا الفرار. في ليلةٍ لم ينسها التاريخ، تسلّل الأسد المذعور إلى طائرته، فارًا إلى أحضان سيده في موسكو، بينما بقيت سوريا لأهلها، حرّةً أبيةً كما أرادها شهداؤها.

وانهارت أحلام إيران في لحظة، فقدت حليفتها، وحية خلوتها، وذراعها في الشام. انتهى مشروعها الطائفي تحت أقدام الثوار، وأصبح سرابًا في مهبّ التاريخ. سقطت دمشق، وسقط معها الحلم الإيراني في السيطرة على الشرق الأوسط. النظام الذي خان العرب، الذي سلّم أبطال الأحواز إلى طهران عام 2005، الذي كان خنجرًا مسمومًا في خاصرة العراق إبّان حربه مع إيران، النظام العلوي النصيري العميل، المجوسي الخائن، ذهب إلى مزبلة التاريخ.

الفجر الذي طال انتظاره قد بزغ، والنصر الذي ظنه الطغاة مستحيلًا قد كُتب، بدماء الأحرار، بآهات الثكالى، بصمود المعتقلين، بدموع المهجّرين، وبإرادة شعبٍ لا يُقهر.

يتبع

بقلم : مديا الأحواز mediaahwaz

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى