محطات طير السعد (2)

المحطة الثانية
قُتل قاسم سليماني. الرجل الذي كان يجوب العراق وسوريا ولبنان، وكان يُعدّ الرجل الثاني في إيران بعد خامنئي، والشخصية الأكثر نفوذًا وشعبية في النظام. بلغت شعبيته حدًّا جعله المنقذ الدائم للنظام في اللحظات الحرجة. رافق الحشد الشعبي إلى إقليم الأحواز أثناء كارثة الفيضانات هناك، محاولًا تهدئة غضب السكان.
قال عنه رئيس شرطة دبي السابق، ضاحي خلفان: “إذا كان هناك رجل حقيقي في العراق، فهو من سيتمكن من قتل قاسم سليماني.”
كان مقتله صدمة هزّت العالم الإسلامي. في إيران، حتى بعض معارضي النظام تعاطفوا معه، بينما اعتبره القوميون المتعصبون قائدًا وطنيًا ورمزًا قوميًا. وصفه أردشير زاهدي، صهر الشاه، بأنه أحد القادة الأسطوريين في تاريخ إيران. عمّ الحداد أرجاء البلاد، حيث اجتمع المتدينون وغير المتدينين والقوميون في حالة من الذهول والحزن على فقدان “سردار إيران”.
نُقل جثمانه بعد تشييعه في كربلاء والنجف إلى الأحواز، حيث احتفى به أنصار النظام، وانهالت الگوالات الباسيجيات المرتزقات على صدورهن وأفخاذهن حزنًا. وفي كرمان، أدى التدافع أثناء التشييع إلى سقوط عشرات الضحايا، في مشهد أعاد للأذهان جنازة الخميني، وكأن النظام كان يعود إلى “إعدادات المصنع الافتراضية”.
كان مقتل قاسم سليماني بمثابة طوق نجاة للنظام، منتشلًا إياه من الظل الثقيل لأحداث دامية، مثل احتجاجات “آبان الدموي” عام 1398 ه ش، ومجزرة هور الجراحي في معشور، فضلًا عن الحركة الخضراء عام 1388ه ش، وأحداث جامعة طهران عام 1378 ه ش.
استغل خامنئي حياته و”استشهاده” بالطريقة ذاتها التي یستُثمر النظام بها مقتل العباس بن علي ، وحوّل الحدث إلى ورقة لصالح النظام. خلال صلاة الجنازة في طهران، كان الرئيس الإيراني الأبله رئيسي يبكي بحرقة أمام الكاميرات.
العالم كان يترقب انتقام إيران لقائدها البارز، في انتظار رد فعل الدولة الوحيدة التي تجرأت على تحدي أمريكا. هتف أنصار النظام والمخلصون من الباسيج: “يا ليتنا نحظى بموتٍ كهذا!”
بينما كانت إيران تستعد للانتقام، وتُجهّز لضرب أهداف أمريكية في المنطقة، نفذت طهران هجومًا صاروخيًا على قاعدة عين الأسد في العراق وأخرى في أربيل فجر 18 دي 1398 (8 يناير 2020). لكن، وكما هو متوقّع، تم إبلاغ الأمريكيين بالهجوم مسبقًا، فأخلوا قواعدهم من الجنود والمعدات. فيما بعد، صرّح وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، بأن الأمريكيين كانوا على علم بالهجوم حتى قبل الرئيس الإيراني ووزارة الخارجية!
بالنسبة للبشطاء، كانت إيران الدولة الأولى التي تجرّأت على مهاجمة أمريكا عسكرياً، وكان هذا “نصراً وهمياً” في نظر خامنئي. لكن هذا “الانتصار” لم يدم طويلاً، إذ سرعان ما تحوّل إلى إذلال غير مسبوق، بسبب خطأ كارثي من الدفاع الجوي للحرس الثوري، أو كما وصفه خامنئي بنفسه: “لقد أفسد هذا الحادث فخرنا وعزّتنا.”
إسقاط الطائرة الأوكرانية المدنية.. يتبع.
بقلم : مديا الأحواز mediaahwaz