مقالات

محطات طير السعد (3)

المحطة الثالثة

إسقاط الطائرة الأوكرانية لم يكن مجرد حادث عرضي، بل كان نقطة تحوّل حاسمة في كشف هشاشة النظام الإيراني. في فجر الثامن من يناير 2020، أُسقطت طائرة الرحلة PS752 التابعة للخطوط الجوية الأوكرانية بصاروخين من منظومة الدفاع الجوي للحرس الثوري. كانت الصدمة الأولى أن النظام أنكر الحادث لثلاثة أيام متتالية، محاولًا إقناع العالم بأن الطائرة سقطت بسبب عطل فني. لكن تحت ضغط الأدلة الدولية والفيديوهات المسربة، اضطر الحرس الثوري للاعتراف بأنه هو من أسقط الطائرة “عن طريق الخطأ”.

كان وقع هذا الاعتراف كالصاعقة على الشارع الإيراني. كيف يمكن لنظام يدّعي أنه يتحدى أمريكا، أن يسقط طائرة مدنية تحمل 176 راكبًا، معظمهم من النخبة العلمية الإيرانية الذين كانوا في طريقهم إلى كندا؟ خرجت المظاهرات في الجامعات الإيرانية، من طهران إلى أصفهان، حيث هتف الطلاب: “عدونا هنا، ليس في أمريكا!”. كانت هذه الاحتجاجات مختلفة عن سابقتها، إذ شارك فيها حتى أبناء الطبقة المتوسطة والعليا الذين لطالما تجنبوا السياسة.

في هذه الأثناء، كان النظام يترنح تحت ضغط داخلي وخارجي غير مسبوق. قتل قاسم سليماني كان الضربة الأولى، لكن إسقاط الطائرة كان بمثابة إطلاق رصاصة على رأس الشرعية المتآكلة للنظام. حتى بين صفوف المؤيدين، بدأ الشك يتغلغل، وسرعان ما أصبحت مقولة “النظام لا يمكن إصلاحه” هي السائدة.

لكن كما حدث في السابق، جاء فيروس كورونا في فبراير 2020 ليمنح النظام فرصة ذهبية للهروب من أزماته. سرعان ما استغل خامنئي وروحاني الوباء لإغلاق الجامعات، وحظر التجمعات، وفرض رقابة مشددة على الإعلام. بينما كان العالم مشغولًا بالجائحة، استمر النظام في اعتقال النشطاء وإعدام المتظاهرين بصمت.

رغم ذلك، لم تكن إيران سوى نار تحت الرماد تنتظر شرارة جديدة، والتي جاءت في صيف 1401. ففي 16 سبتمبر 2022، اعتُقلت مهسا (ژينا) أميني، الفتاة الكردية البالغة من العمر 21 عامًا، على يد شرطة الأخلاق في طهران. بعد تعرضها للضرب، أصيبت بكسور في الجمجمة وفقدت حياتها بعد ثلاثة أيام. لم يكن موتها مجرد حادثة، بل كان شرارة أشعلت نيران الغضب في إيران، حيث انتشرت الاحتجاجات في مختلف أنحاء البلاد.

من طهران إلى كردستان، من الجامعات إلى الشوارع، علت الهتافات: “المرأة، الحياة، الحرية”. النساء ألقين بالحجاب، الرجال انضموا إلى المظاهرات، والشعب واجه النظام بشجاعة غير مسبوقة. حاولت السلطات قمع الانتفاضة بالرصاص والسجون، لكن الغضب كان أقوى. تحولت مهسا إلى رمز عالمي للحرية، وهزّت احتجاجات إيران العالم بأسره.

تحولت مهسا إلى رمز عالمي للحرية، وهزت احتجاجات إيران العالم بأسره، حتی کسر هاشتاغ #مهسا_أميني الأرقام القياسية على تويتر.

لم تعد هذه ثورة ضد الحجاب فقط، بل كانت صرخة ضد القمع والديكتاتورية خرج الشباب إلى الشوارع سقط الضحايا، امتلأت السجون، لكن الأمل لم يمت. حاول النظام طمس الحقيقة، لكن النار التي أشعلتها مهسا لم تنطفئ، بل تحولت إلى لهب يحترق في قلب كل من يطالب بالحرية والكرامة.

في خضم الاحتجاجات المتصاعدة، لم تكن مهسا أميني الضحية الوحيدة. فمع استمرار القمع الوحشي، سقطت سارينا إسماعيل زاده, حديث نجفي، نيكا شاكرمي وغيرهن من الفتيات دون سن 18 عاما، برصاص النظام أو تحت التعذيب. لم تكن جنازاتهم مجرد مراسم تأبين بل تحولت إلى شرارات جديدة تشعل الثورة من جديد حيث كانت كل ذكرى أربعينية لشهيد بمثابة انفجار جديد للغضب في شوارع إيران.

ولم يقتصر القمع على النساء فحسب، فقد شهدت زاهدان واحدة من أكثر الجرائم دموية، عندما خرج المواطنون بعد صلاة الجمعة في 30 سبتمبر 2022 احتجاجا على اغتصاب فتاة بلوشية من قبل الشرطة وانتهاكات قوات الأمن فقوبلوا بمجزرة دموية سميت بـ “الجمعة الدامية”، حيث فتحت قوات الأمن النار على المتظاهرين العزل، مما أدى إلى مقتل أكثر من 90 شخصا، بينهم أطفال.

كان النظام يعتقد أن القمع سيسكت الأصوات، لكنه لم يدرك أن كل دم يُسفك يزيد الثورة اشتعالاً. من زاهدان إلى كردستان، ومن طهران إلى تبريز، علت الهتافات “الموت للديكتاتور”، وواصل الشعب مقاومته رغم كل القمع، ليؤكد أن هذه ليست مجرد موجة غضب بل ثورة لن تتوقف حتى تحقيق الحرية.

بقلم : مديا الأحواز mediaahwaz

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى