مقالات

محطات طير السعد (4)

المحطة الرابعة

بينما كانت الاحتجاجات تشتد داخل إيران، بدأت لأول مرة معارضة منظمة تتشكل في الخارج، محاولةً توجيه أنظار العالم إلى الداخل الإيراني ودعم الحراك الشعبي. شخصيات بارزة من اتجاهات مختلفة اجتمعت تحت مظلة ما عُرف بـ”رهبری جنبش زن زندگی آزادی”، وضمت رضا پهلوي، نجل الشاه السابق، عبدالله مهتدي، زعيم حزب كومله الكردستاني، حامد إسماعيليون، الذي فقد أسرته في إسقاط الطائرة الأوكرانية، مسيح علي‌نژاد، الناشطة في قضايا المرأة، وشخصيات غير سياسية أخرى.

استطاع إسماعيليون تنظيم واحدة من أكبر التظاهرات في برلين لدعم الثورة، بينما عملت مسيح علي‌نژاد على حشد الرأي العام الغربي داخل الكونغرس الأميركي، البرلمان الفرنسي، والمنظمات الحقوقية الدولية، محاولةً إيصال أصوات الإيرانيين المنتفضين إلى العالم. لكن سرعان ما بدأت الخلافات تظهر داخل هذا التحالف الهش، خاصة بين أنصار رضا پهلوي والمكونات الأخرى.

رأى أنصار الشاه الابن أنه فوق الجميع، وليس مجرد شريك في قيادة المعارضة. بالنسبة لهم، رضا پهلوي لم يكن مجرد شخصية سياسية، بل “شاه شاهان”، الملك الذي يجب أن يعود إلى عرشه بلا منازع. لم يستطع هذا التيار المتطرف تقبل فكرة أن يكون نجل الشاه في موقع مساوٍ لشخصيات أخرى، فبدأ أتباعه بمهاجمة كل من لا يؤمن بسيادته المطلقة. في وسائل التواصل الاجتماعي، الإعلام، وساحات التظاهر خارج إيران، تحولت هذه المجموعة إلى ما يشبه ميليشيا افتراضية لا تتردد في توزيع الشتائم والاتهامات على أي شخص يعارض رؤيتهم.

سرعان ما توسع هجومهم ليشمل الأحزاب والجماعات القومية، متهمين إياها بالانفصالية، ووصل الأمر إلى التهديدات العلنية بالإعدام و”حبال المشانق” لكل من لا يتبع خطهم. وبدلًا من تعزيز الوحدة بين أطياف المعارضة كما فعل الخميني في 1979، لعب رضا پهلوي في ميدان النظام دون أن يدرك، وساهمت قاعدته الجماهيرية المتطرفة في تفكيك الحراك.

تحولت ثورة مهسا أميني من انتفاضة وطنية جامعة إلى ساحة صراع بين التيارات السياسية المختلفة. وبينما كانت إيران تغلي في الداخل، كانت المعارضة في الخارج تتآكل بسبب الخلافات الأيديولوجية. كان التيار الشاهنشاهي هدية ثمينة للنظام، حيث استغل خامنئي انقسامات المعارضة لإضعاف الحراك الداخلي. وبينما كانت الإعدامات تطال الشباب في إيران، انشغل بعض قادة المعارضة في الخارج بجمع التبرعات التي لم تصل إلى الداخل.

لكن السقوط الأكبر جاء عندما أظهر رضا پهلوي استجداءه العلني لإسرائيل والولايات المتحدة من أجل التدخل العسكري ضد إيران بغض النظر عن العواقب فقط من أجل إعادة العرش إلى أسرة بهلوي، حتى لو كان الثمن دمار البلاد وسفك دماء الإيرانيين هنا بدأت فكرة الإيراني الوطني” بالظهور، حيث رفض الكثيرون الانضمام إلى ثورة يقودها متطرفون يهددون خصومهم بالمشانق حتى قبل أن يصلوا إلى السلطة.

في هذه الأثناء، بدأت الجماعات القومية، مثل الأحوازيين بالتراجع عن دعم الحراك، حيث اعتبرت أن الثورة التي يهيمن عليها الفرس لن تضمن حقوقها. كما انسحبت شرائح واسعة من الأكراد البلوش، والترك الأذريين، ما أدى إلى إضعاف زخم الاحتجاجات وفشلها في تحقيق أهدافها.

في الوقت نفسه لعبت الاستخبارات الإيرانية دورًا بارعًا في تضخيم دور رضا پهلوي عبر شعارات مثل از تاجزاده تا شاهزاده، ما جعله وأتباعه يعتقدون أنهم القوة الوحيدة القادرة على قيادة التغيير. لكن هذه الدعاية لم تكن إلا فخا ساهم في تشتيت المعارضة وإفراغها من مضمونها الثوري.

وهكذا، تحول الحلم بإسقاط النظام إلى كابوس جديد حيث باتت إيران عالقة بين نظام قمعي في الداخل ومعارضة ضعيفة ومتفككة في الخارج. صحيح أن النظام خرج من هذه الثورة ظاهريا سالمًا، لكنه خسر الكثير، والمجتمع الإيراني لم يعد كما كان.

ظن خامنئي أنه انتصر على المخربين”، لكن الأحداث سرعان ما أخذت منحى غير متوقع، إذ جاء الهجوم الذي شنه المقاومون في غزة في السابع من أكتوبر على إسرائيل، ليعيد خلط الأوراق على مستوى المنطقة بأكملها ….

يتبع

بقلم : مديا الأحواز mediaahwaz

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى